فصل: الآية الحادية والأربعون:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.الآية الأربعون:

{وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ إِنْ أَرادُوا إِصْلاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (228)}.
وَالْمُطَلَّقاتُ يدخل تحت عمومه المطلقة قبل الدخول، ثم خصّص بقوله: {فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها} [الأحزاب: 49] فوجب بقاء العام على الخاص وخرجت من هذا العموم المطلّقة قبل الدخول، وكذلك خرجت الحامل بقوله: {وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ} [الطلاق: 4] وكذلك خرجت الآيسة لقوله تعالى: {فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ} [الطلاق: 4] {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ} [البقرة: 228].
التربص: الانتظار وقيل: هو خبر في معنى الأمر: أي ليتربصن، قصد بإخراجه مخرج الخبر تأكيد وقوعه وزاده تأكيدا وقوعه خبرا للمبتدأ.
قال ابن العربي: وهذا باطل وإنما هو خبر عن حكم الشرع فإن وجدت مطلقة لا تتربص فليس ذلك من الشرع ولا يلزم من ذلك وقوع خبر اللّه سبحانه على خلاف مخبره.
{ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} جمع قرء، قاله الجمهور، وقال الأصمعي: الواحد قرء بضم القاف وتشديد الواو، وقال أبو زيد بالفتح: وكلاهما قال: أقرأت المرأة: حاضت، وأقرأت: طهرت. وقال الأخفش: أقرأت المرأة إذا صارت صاحبة حيض، فإذا حاضت قلت: قرأت بلا ألف.
وقال أبو عمرو بن العلاء: من العرب من يسمي الحيض قرءا ومنهم من يسمي الطهر قرءا ومنهم من يجمعها جميعا فيسمي الحيض مع الطهر قرءا.
وينبغي أن يعلم أن القرء في الأصل: الوقت يقال: هبت الرياح لقرئها: أي لوقتها. فيقال للحيض: قرء، وللطهر: قرء لأن كل واحد منهما له وقت معلوم، وقد أطلقته العرب تارة على الاطهار وتارة على الحيض.
فالحاصل أن القرء في لغة العرب مشتركة بين الحيض والطهر ولأجل هذا الاشتراك اختلف أهل العلم في تعيين ما هو المراد بالقروء المذكورة في الآية، فقال أهل الكوفة: هو الحيض وهو قول عمر وعلي وابن مسعود وأبي موسى ومجاهد وقتادة والضحاك وعكرمة والسّدي وأحمد بن حنبل. ورجحه السيد محمد الأمير في سبل السلام وذكرناه في مسك الختام.
وقال أهل الحجاز: هي الأطهار وهو قول عائشة وابن عمر وزيد بن ثابت والزهري وأبان بن عثمان والشافعي.
قال الشوكاني في فتح القدير: واعلم أنه قد وقع الاتفاق بينهم على أن القرء الوقت فصار معنى الآية عند الجميع والمطلقات يتربص بأنفسهنّ ثلاثة أوقات فهي على هذا مفسرة في العدد مجملة في المعدود، فوجب طلب البيان للمعدود من غيرها: فأهل القول الأول استدلوا على أن المراد في هذه الآية الحيض بقوله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: «دعي الصلاة أيام أقرائك» وبقوله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: «طلاق الأمة تطليقتان وعدتها حيضتان» وبأن المقصود من العدّة استبراء الرحم وهو يحصل بالحيض لا بالطهر.
واستدل أهل القول الثاني بقوله تعالى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] ولا خلاف أنه يؤمر بالطلاق وقت الطهر، وبقوله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم لعمر: «مره فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر... فتلك العدة التي أمر اللّه بها النساء» وذلك لأن الطهر هو الذي تطلق فيه النساء.
قال أبو بكر بن عبد الرحمن: ما أدركنا أحدا من فقهائنا إلا يقول: الأقراء هي الأطهار، فإذا طلق الرجل في طهر لم يطأ فيه اعتدت بما بقي منه ولو ساعة ولو لحظة ثم استقبلت طهرا ثانيا بعد حيضة فإذا رأت الدم من الحيضة الثالثة خرجت من العدة. انتهى.
وعندي أنه لا حجة في بعض ما احتج به أهل القولين جميعا.
أما قول الأولين إن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم قال: «دعي الصلاة أيام أقرائك» فغاية ما في هذا أن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أطلق الأقراء على الحيض ولا نزاع في جواز ذلك- كما هو شأن اللفظ المشترك بأنه يطلق تارة على هذا وتارة على هذا- وإنما النزاع في الأقراء المذكورة في هذه الآية، وأما قوله صلى الله عليه وآله وسلّم في الأمة «وعدتها حيضتان» فهو حديث أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجة والدارقطني والحاكم- وصححه- من حديث عائشة- مرفوعا- وأخرجه ابن ماجة والبيهقي من حديث ابن عمر- مرفوعا- أيضا ودلالته على ما قاله الأولون قوية، وأما قولهم إن المقصود من العدّة استبراء الرحم وهو يحصل بالحيض لا بالطهر، فيجاب عنه بأنه يتم لو لم يكن في هذه العدّة شيء من الحيض على فرض تفسير الإقراء بالإطهار وليس كذلك بل هي مشتملة على الحيض كما هي مشتملة على الأطهار، وأما استدلال أهل القول الثاني بقوله تعالى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] فيجاب بأن التنازع في اللام في قوله: {لِعِدَّتِهِنَّ} يصير ذلك محتملا، ولا تقوم الحجة بمحتمل. أما استدلالهم بقوله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم لعمر «مره فليراجعها» الحديث فهو الصحيح ودلالته قوية على ما ذهبوا إليه. ويمكن أن يقال إنها تنقضي بالعدّة بثلاثة أطهار وبثلاث حيض ولا مانع من ذلك فقد جوز جمع من أهل العلم حمل المشترك على معنييه، وبذلك يجمع بين الأدلة ويرتفع الخلاف ويندفع النزاع.
وقد استشكل الزمخشري تمييز الثلاثة بقوله قروء وهي جمع كثرة دون أقراء التي هي من جموع القلة وأجاب بأنهم يتسعون في ذلك فيستعملون كل واحد من الجمعين مكان الآخر لاشتراكهما في الجمعية.
{وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحامِهِنَّ} قيل: المراد به الحيض، وقيل: الحمل، وقيل: كلاهما.
ووجه النهي عن الكتمان ما فيه في بعض الأحوال من الإضرار بالزوج وإذهاب حقه فإذا قالت المرأة: حضت ولم تحض ذهبت بحقه من الارتجاع وإذا قالت هي:
لم تحض وهي قد حاضت ألزمته من النفقة ما لم يلزمه فأضرت به. وكذلك الحمل ربما تكتمه لتقطع حقه من الارتجاع وربما تدعيه لتوجب عليه النفقة ونحو ذلك من المقاصد المستلزمة للإضرار بالزوج.
وقد اختلفت الأقوال في المدّة التي تصدّق فيها المرأة إذا ادعت انقضاء عدّتها.
وفي الآية دليل على قبول قولهن في ذلك نفيا وإثباتا.
وقوله: {إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} فيه وعيد شديد للكتمان، وبيان أن من كتمت ذلك منهنّ لم تستحق اسم الإيمان.
{وَبُعُولَتُهُنَّ} جمع بعل وهو الزوج سمي بعلا لعلوّه على الزوجة لأنهم يطلقونه على الرب. ومنه قوله تعالى: {أَتَدْعُونَ بَعْلًا} [الصافات: 125] أي ربا، ويقال بعول وبعولة كما يقال في جمع الذكر: ذكور وذكورة، وهذه التاء لتأنيث الجمع وهو شاذ لا يقاس عليه بل يعتبر فيه السماع. والبعولة أيضا يكون مصدرا من بعل الرجل يبعل، مثل منع يمنع أي صار بعلا.
وقوله: {أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} أي برجعتهنّ والإتيان بصيغة التفضيل لإفادة أن الرجل إذا أراد الرجعة والمرأة تأباها وجب إيثار قوله على قولها وليس معناه أن لها حقا في الرجعة.
قاله أبو السعود، وذلك يختص بمن كان يجوز للزوج مراجعتها فيكون في حكم التخصيص لعموم قوله: {وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ} لأنه يعم المثلثات وغيرهنّ في ذلك: يعني مدة التربص، فإذا انقضت مدّة التربص فهي أحق بنفسها، ولا تحلّ له إلا بنكاح مستأنف بوليّ وشهود ومهر جديد، ولا خلاف في ذلك. والرجعة تكون باللفظ وتكون بالوطء ولا يلزم المراجع شيء من أحكام النكاح بلا خلاف إن أرادوا إصلاحا أي بالمراجعة أي إصلاح حاله معها وحالها معه، فإن قصد الإضرار بها فهي محرّمة لقوله تعالى: {وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرارًا لِتَعْتَدُوا} قيل: إذا قصد بالرجعة الضرار فهي صحيحة، وإن ارتكب بذلك محرما وظلم نفسه، وعلى هذا فيكون الشرط المذكور في الآية للحث للأزواج على قصد الصلاح والزجر لهم عن قصد الضرار وليس المراد به جعل قصد الإصلاح شرطا لصحة الرجعة.
{وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} أي لهنّ من حقوق الزوجية على الرجال مثل ما للرجال عليهنّ، فيحسن عشرتها بما هو معروف من عادة الناس أنهم يفعلونه لنسائهم، وهي كذلك تحسن عشرة زوجها بما هو معروف من عادة النساء أنهنّ يفعلنه لأزواجهنّ من طاعة وتزين وتحبب ونحو ذلك.
{وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} أي منزلة ليست لهنّ وهي قيامه عليه في الإنفاق، وكونه من أهل الجهاد والعقل والقوّة وله من الميراث أكثر مما لها وكونه يجب عليها امتثال أمره والوقوف عند رضاه ولو لم يكن من فضيلة الرجال على النساء إلا كونهنّ خلقهن من الرجال لما ثبت أن حواء خلقت من ضلع آدم.
وقد أخرج أهل السنن عن عمرو بن الأحوص أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم قال: «ألا إن لكم على نسائكم حقا وإن لنسائكم عليكم حقا: أما حقكم على نسائكم فإن لا يوطئن فرشكم من تكرهون ولا يأذنّ في بيوتكم لمن تكرهون. ألا وحقهنّ عليكم أن تحسنوا إليهنّ في كسوتهنّ وطعامهنّ» وصححه الترمذي.
وأخرج أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة وابن جرير والحاكم- وصححه- والبيهقي عن معاوية بن حيدة القشيري أنه سأل النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: ما حق المرأة على الزوج؟ قال: «أن تطعمها إذا أطعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه ولا تهجر إلا في البيت».
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله: {وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} قال: فضل ما فضله اللّه به عليها من الجهاد وفضل ميراثه على ميراثها وكل ما فضل به عليها.

.الآية الحادية والأربعون:

{الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخافا أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوها وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229)}.
أي عدد الطلاق الذي يثبت فيه الرجعة، فالمراد بالطلاق هنا هو الرجعي بدليل ما تقدم في الآية الأولى هو مَرَّتانِ أي الطلقة الأولى والثانية ولا رجعة بعد الثالثة. وإنما قال سبحانه مرتان ولم يقل طلقتان إشارة إلى أنه ينبغي أن يكون الطلاق مرة بعد مرة، لا طلقتان دفعة واحدة، كذا قال جماعة من المفسرين، ولما لم يكن بعد الطلقة الثانية إلا أحد أمرين: إما إيقاع الثالثة التي بها تبين الزوجة أو الإمساك لها استدامة نكاحها، وعدم إيقاع الثالثة عليها.
قال سبحانه: {فَإِمْساكٌ} بعد الرجعة لمن طلقها زوجها طلقتين {بِمَعْرُوفٍ} أي بما هو معروف عند الناس من حسن العشرة.
{أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ} أي بإيقاع طلقة ثالثة عليها من دون ضرار لها.
وقيل: المراد إمساك بمعروف أي: برجعة بعد الطلقة الثانية أو تسريح بإحسان أي: بترك الرجعة بعد الثانية حتى تنقضي عدتها، والأول أظهر.
وقد اختلف أهل العلم في إرسال الثلاث دفعة واحدة هل يقع ثلاثا أو واحدة فقط؟ فذهب إلى الأول الجمهور، وذهب إلى الثاني من عداهم وهو الحق.
قال الشوكاني في فتح القدير: وقد قررته في مؤلفاتي تقريرا بالغا وأفردته برسالة مستقلة انتهى.
قلت: وهو الذي اختاره شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية الحراني والشيخ الحافظ الإمام محمد بن أبي بكر بن القيم الجوزية الدمشقي وغيرهما جمع من الأئمة الأعلام قديما وحديثا.
وقد بسطت القول فيه في شرحي لبلوغ المرام بأبلغ تقرير وأفصح نظام.
{وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا} الخطاب للأزواج أي لا يحل لهم أن يأخذوا مما دفعوه إلى نسائهم من المهر شيئا على وجه المضارة لهن.
وتنكير {شيئا} للتحقير أي شيئا نزرا فضلا عن الكثير.
وخص ما دفعوه إليهن بعدم حل الأخذ منه مع كونه لا يحل للأزواج أن يأخذوا شيئا من أموالهنّ التي يملكنها من غير المهر لكون ذلك هو الذي تتعلق به نفس الزوج ويتطلع لأخذه دون ما عداه مما هو في ملكها على أنه إذا كان أخذ ما دفعه إليها لا يحلّ له، كان ما عداه ممنوعا منه بالأولى.
وقيل: الخطاب للأئمة والحكام ليطابق قوله: {فَإِنْ خِفْتُمْ} فإن الخطاب فيه للأئمة والحكام وعلى هذا يكون إسناد الأخذ إليهم لكونهم الآمرين بذلك.
والأول أولى لقوله: {مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ} فإن إسناده إلى غير الأزواج بعيد جدا لأن إيتاء الأزواج لم يكن عن أمرهم.
وقيل: إن الثاني أولى لئلا يشوش النظم.
{إِلَّا أَنْ يَخافا} أي لا يجوز لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا {أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ} أي عدم إقامة حدود اللّه التي حدها للزوجين، وأوجب عليهما الوفاء بها من حسن العشرة والطاعة.
{فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ} أي إذا خاف الأئمة والحكام أو المتوسطون بين الزوجين وإن لم يكونوا أئمة وحكاما، عدم إقامة حدود اللّه من الزوجين وهي ما أوجبه عليهما.
{فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} أي لا جناح على الرجل ولا على المرأة في الإعطاء بأن تفتدي نفسها من ذلك النكاح ببذل شيء من المال يرضى به الزوج فيطلقها لأجله، وهذا هو الخلع.
وقد ذهب الجمهور إلى جواز ذلك للزوج، وأنه يحلّ له الأخذ مع ذلك الخوف. وهو الذي صرّح به القرآن. وحكى ابن المنذر عن بعض أهل العلم أنه لا يحلّ له ما أخذ ولا يجبر على رده وهذا في غاية السقوط. وقرأ حمزة إِلَّا أَنْ يَخافا على البناء للمجهول والفاعل محذوف وهو الأئمة والحكام واختاره أبو عبيد. قال:
لقوله: {فَإِنْ خِفْتُمْ} فجعل الخوف لغير الزوجين، وقد احتج بذلك من جعل الخلع إلى السلطان وهو سعيد بن جبير والحسن وابن سيرين.
وقد ضعف النحاس اختيار أبي عبيد المذكور.
وقال الإمام أحمد: يكره الخلع على أكثر من المسمى سواء كان النشوز من قبلها أو من قبله، إلا أنه على الكراهية تصح عنده.
وقد حكي عن بكر بن عبد اللّه المزني أن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى في سورة النساء {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطارًا فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (20)} [النساء: 20]. وهو قول خارج عن الإجماع ولا تنافي بين الآيتين.
وقد اختلف أهل العلم إذا طلب الزوج من المرأة زيادة على ما دفعه إليها من المهر وما يتبعه ورضيت بذلك المرأة هل يجوز أم لا؟
وظاهر القرآن الجواز لعدم تقييده بمقدار معين، وبهذا قال مالك والشافعي وأبو ثور وروي مثل ذلك عن جماعة من الصحابة والتابعين.
وقال طاووس وعطاء والأوزاعي وأحمد وإسحاق أنه لا يجوز.
وقد ورد في ذمّ المختلعات أحاديث منها حديث ثوبان قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: «أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة» أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي، وحسنه، وابن ماجة والحاكم، وصححه.
وقال: «المختلعات هن المنافقات». رواه أحمد وأبو داود والترمذي، وحسنه، وابن ماجة وابن جرير والحاكم، وصححه، والبيهقي أيضا.
ومنها عن ابن عباس- عند ابن ماجة- أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم قال: «لا تسأل المرأة زوجها الطلاق في غير كنهه فتجد ريح الجنة وإن ريحها لتوجد مسيرة أربعين عاما».
وقد اختلف أهل العلم في عدة المختلعة: والراجح أنها تعتد بحيضة لما أخرجه أبو داود والترمذي، وحسنه، والنسائي والحاكم، وصححه، عن ابن عباس أن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أمر امرأة ثابت بن قيس أن تعتد بحيضة. وفي الباب أحاديث. ولم يرو ما يعارض هذا من المرفوع بل ورد عن جماعة من الصحابة والتابعين أن عدة المختلعة كعدة الطلاق.
وبه قال الجمهور. قال الترمذي: وهو قول أكثر أهل العلم من الصحابة وغيرهم، واستدلوا على ذلك بأن المختلعة من جملة المطلقات فهي داخلة تحت عموم القرآن.
والحق ما ذكرناه لأن ما ورد عن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم يخصص عموم القرآن. وتمام البحث في مسك الختام شرح بلوغ المرام فليرجع إليه، وفي الباب أحاديث في ذم التحليل وفاعله فليعلم.